للكلمة عند الفضلي اعتبارات أخرى غير تلك الظاهرة و المستخدمة للتعبير الإنشائي عن فكرةٍ أو موضوعٍ ما ، للكلمة عنده كيان زماني ومكاني وعلى هاتين الركيزتين استند فكره في بناء النص الأدبي ، ومما يراه أنه يمكن تجسيد النص بعصرٍ ثقافيٍ معين لكن التعبير عنه لا يكون من خلال مكونات تتماشى و تتناسب وثقافة العصر القائمة وحسب ، بل من خلال تحويل النص ذاته إلى (مبدأ للوحي) ودليل حي للحظة يقين تكاد تتحجر، مبدأ يفكك ويفجر الكلمة ويبدل تركيبها ، يعيد لنا خلق هذه الثقافة وهذه اللحظة بحلة جديدة فنحصل على تثاقف يكون أساسا لولادة (وعيفكرية) متجددة .

أدرك الفضلي أن مقتضيات هذا التثاقف لا بد لها من حامل يجابه به عصمة التخلف والركود الفكري فأخذ يعمل على نوع جديد محدث من النصوص ، لكن ولتمكن التخلف وتمدده على الوعي الجمعي غدتْ المهمة صعبة جدا عليه فقد كان منفرداً وحيداً في مهمته هذه ورغم ذلك بقي مصراً على إمكانية النهوض والبدء .

- وعى حقيقةً أن الوعي العربي المعاصر, وعيٌ ما قبلي انغلاقي , يتسم بالتعصب , التعنت , الأصولية الانفعالية والعاطفية في اتخاذ أحكامه و مواقفه حيال ما تفرزه حركة التطور الحياتية الحتمية من تحديات تلقي بظلالها على بنية المجتمع في جميع مركباتها الثقافية / الأدبية  . الفنية . العلمية . الدينية . السياسية و الذاكرة التاريخية ....الخ فتأتي تصوراته وأحكامه خارج السياقات الواقعية غير منسجمة مع 

روح العصر ومنطق التطور الحضاري , وهذا يدل بوضوح على أن هناك مأزق بل أزمة فكرية حقيقية , تستوطن العقل العربي , جعلته حذراً متردداً من التعامل مع العقل المتنور, فاقد الثقة به , عازفاً عن الانفتاح عليه لقناعته بقصوره و تخلفه عنه بمراحل ( عقدة الشعور بالنقص ) ولقناعته ان ذلك الفكر المتقاطع معه يمتلك أمضى أسلحة إيقاظ العقول من خلال قدرته على دفعها للشك / المولد الحقيقي لليقين / وقوته وقدرته الناكشة الناقدة للقناعات المتوارثة جيلاً عن جيل ، وأنه وأمام هذا الواقع ظهر موقفان مضادان عاشهما ويعيشهما فكرنا العربي حتى اليوم هما :                            

الاول - عدم الاعتراف بهذا النقص ( الذي تحول الى عقدة مركبة متجذرة فيه ), مما أوقعه في ( وهم التعالي ) للتغطية نفسياً عليه , فراحوا يدَّعون أن الفكر العربي هو ركيزة العقل الانساني الاولى , و الأب الحقيقي للفلسفة وعراب المعارف التي عرفها العالم بشتى أنواعها , وان كل هذا تم واكتمل في / الماضي / المجيد وأن كل ما هو جديد منها إنما هو مستمدٌ ومنقول عن ذلك المنجز العربي الخالد , لكن بوجوه معاصرة . 

الثاني - موقف خاضع خضوعاً سلبياً استسلاماً للعقلِ الأخر المذكور إما خوف أو كسل .

وتجاه هذين المهربين من عين الصواب والحقيقة رأى الفضلي أنه على الأديب /المتزمت/ العربي أن يتعظ من تجارب الغير في استخدام العقل ويرى كيف أن العالم تجاوزنا بأشوااااط حتى بتنا في آخر ركب الامم المتحضرة .

فتح باب الحداثة النصية على مصراعيه حتى أنه اتهم بالجنوح والتطرف الحدثاوي للغة النصية ، فاللغة بالنسبة له هي آلية و وسيلة  التفكير, وأصل استجابته للمؤثر الخارجي, وتحديد ردة فعله المناسب نحوه وهنا أود الاقتباس منه :

< باللغة يستطيع عقلي مثلاً أن يفرق بين الافعى والحبل ,فاللغة لا تعني الكلمات فقط فهناك لغة ضوئية / إشارات المرور، صوتية ، صورية / وإن تطوير الشعر يعني في جوهره تطوير اللغة التي تشكله وتحدد معانيه وترسم صوره ، ولما كان تطور اللغة يعني تطور الوعي ( علاقة الوعي / العقل ، باللغة علاقة طردية علميا) والوعي المتطور المتفتح إنسانيا هو أخطر ما يهدد عصمة التخلف المهيمنة على الفكر والقامعة لتحرره ،لذا جاء قرارها بإحكام القطيعة بين الوعي الجمعي وكل مؤثر خارجي ( خارج حدود سلطتها ) ومنها المؤثرات الحداثوية الادبية }" ...انتهى الاقتباس .

إذا هو مدرك للداء وبالتالي أدرك الدواء وأيقن أنه يكمن في إنهاء تلك القطيعة وفتح المجال لعلاقة تفاعلية بين اللغة والوعي الجمعي من جهة وبين المؤثرات الخارجية وأقصد بها المؤثر الحدثاوي الادبي من جهة أخرى , ووحده القاريء الفضولي الطارح للأسئلة من سيخلخل جمودية وعي القاريء المقابل المستهلك للنصوص الأدبية دافعا'' إياه للانفعال بما يقرأ , وإثارة رغبة البحث فيه عن تفسيرٍ لتلك الإشارات الغرائبية أو الصور المبتكرة التي تزخر بها نصوصه في أعماق وعيه , من مخبوءٍ دفين يكسر به حاجز الصمت الذي فُرضَ عليه سلطوياً كما على عموم أبناء جيله طيلة سنوات عديدة , ليغدو قارئاً متفاعلاً مع المنتج الأدبي أياً كان ، 

مشاركاً بإعدادهِ بحسب مستوى ثقافته ومنسوبه المعلوماتي .لذا كان لا بد من وسيلةٍ لإثارة هذا القاريء المرتجى ، وابتدأت ثورته التشكيلية ، لاقت رفضاً شديداً في واقعنا العربي وصعوبات في فهم الغاية الحقيقية منها واعتبرها البعض خروجاً سافراً من تحت عباءة القميص الفراهيدي ،وكسراً لقواعد اللغة والآداب ، غاضين الطرف أو متغاضين /كله سواء ، عن حقبةٍ زمنيةٍ تفاعلتْ فيها البيئات كافة /طبيعية . بشرية ../ بعضها البعض مع الحياة ورغم ذلك بقي هذا التفاعل سلبياً دون أن ينتج عنه أي جديد من المفردات والمصطلحات والمفاهيم اللغوية والمنتجات الأدبية والتي من شأنها تأمين الاستمرارية .

تفرد بأسلوبه الخاص تفرده بفكره الثاقب المدعم بمخزون ثقافي معلوماتي هائل .لم يتَّبع أحداً ولم يتأثر بأية مدرسة شرقية كانت أو غربية ، ولم يتقولب أسلوبياً ، أو يخضع لمسميات الأجناس الشعرية أو الأدبية عموماً ، يعطي نصه عنواناً من نحته فا للعنوان أهمية عنده كونه يدخل كمكون رئيس للعتبة النصية و بنية نصوصه المفتوحة خاصة تعتمد تعددية الأصوات والتناص مع الأخر الإنساني ( الميثولوجي . الفلسفي . العقلاني . المعرفي.. الخ )  سنرى لاحقاً بعضها 

 لم يحفل بما ذهب إليه الكتَّاب والأدباء لا من قبله ولا من بعده ، وإنما عاش أسمى معاني حريته وهو يمارس فعل الكتابة لا مرجعية له إلاه ، ولم يصدر إلا من سحيق أعماق وعيه ، ساعياً لكسر النمطية الإسلوبية والخلاص من مألوفية رتابة المعالجات الشعرية ، وفكرته المنفعلة هي وحدها من تختار سيميائيتها اللغوية ، وشكلها الكتابي ، فكانت له 

مدرسته الخاصة ، مدرسة أدركت أنه لا حدود بين أنواع المنجز المعرفي فإن الزمن الحالي , زمن التكامل العلمي / الفني فرض نفسه كمكافيء للتكامل الفكري / الشعوري  ، وأن العلوم الرياضياتية أساس كل منجز إبداعي أدبي/ فني أو حتى علمي كون البعض عاب وعارض أسلوبه التشكيلي في اتخاذ بعضاً من الأشكال الهندسية والعلامات الرياضياتية متذرعين بأن هذا التشكيل الشعري في أدبنا العربي يُقرب لغة الشعر والأدب من لغة الرياضيات العلمية ويجد القاريء صعوبة في الفهم كما وانه يمنع الشاعر من التحليق في الخيال فارضاً عليه التكلف مبعداً إياه عن الطبع والسجية، وجاء رده في أكثر من مناسبة، وهنا أقتبس منه :

"{أو ليست أوزان الشعر بكل ما فيها من تنغيمات عروضية وإيقاعات بمختلف معانيها تعتمد البعد الزمني او القياس المكاني ؟!! مثلاً طول الشطر او العبارة كإيقاع بصري، وكذلك الأمر بالنسبة للموسيقى ، ومزج الالوان ببعضها لإنتاج لون اخر.. .. الخ كل هذا أو ليست حسابات رياضياتية !!!؟}" .....انتهى الاقتباس .

¬- لم يتهاون في موقفه ورفض الانضمام الى جوقة الشعراء الذين يقودون الشعب ليبصروه لما في واقعه من ضيم وظلم و متغيرات و... الخ فالشعب برأيه هو أعظم شاعر في شرح ونظم هذا الواقع ، وابتعد عن شعاراتهم إذ رأى فيها تزييفاً للواقع وخداعاً للناس ، وهذا ما جعله خصماً شرعياً للكثيرين وعلى أكثر من جبهة .

- ركز على الوعي الإبداعي , تنوعت كتاباته فشملت الشعر بإنواعه , السرد الشعري أو التعبيري / القصة , الرواية , المسرح , المقالة , النقد والدراسات والبحوث فهو لم يدع سبيلاً من شأنه أن يدعم القاريء ويخرجه من قوقعته إلا وسلكه ، اشتغل جاهداً لتأكيد هدفه من رسالته الفكرية الادبية تحديداً ، وهي تجديد الوعي بقصد تطوير الوعي القرائي ، آمن برسالته وخطط لأعماله الأدبية خاصة الدراسات التحليلية ، وصمم على المضي بها واضعاً نفسه موضع التلميذ /القاريء المتلقي تارة ، وتارة أخرى موضع المعلم / الأديب الناقد إذ أن صراعه لنقل الأدبي كان على جبهتين ،الأولى مواجهة مع أمثاله من الأدباء الذين رفضوا الحداثة وما بعدها كما فهمها هو، والثانية مع القاريء المتقوقع .

- انطلق من مبدأ أن قواعد اللغة شيء وأداء اللغة شيء آخر فحاول كسر هذا القيد الذي كبل اللغة وقعدها ضمن منطقة حدودية / قواعدية / مانعاً إياها من التفاعل و الانفتاح على اللغات الأخرى حرفية  (هجائية ) أو تعبيرية ( صوتية ، ضوئية ، لونية ، إيحائية سيميائية ...الخ ) ومنتجاتها الأدبية والتلاقح معها بشرع العقل والتطور، وهذا ما رفضه العقل العربي ، وإلا كيف نفسر قلة الملاحم الشعرية في أدبنا العربي والتي تكاد لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة ؟؟ أسباب كثيرة لا شك أهمها نفوذ السلطة القواعدية ناهيك عن أن الدين عندنا ( رقيق) ومن أجل هذا كله وهنا أقتبس والكلام للأديب الفضلي "{ ..لذا بقت معادلة الابداع العربي في مجمل ميادينه مختلة النتائج كونها غير سليمة الاركان فالمعادلة الصحيحة :[ مبدع لمنجز معرفي نوعي + متلقٍ متفاعل 

ومشارك في تكوين معنى ذاك المنجز = عملاً ابداعياً نوعياً] ، أما تلك المعادلة العربية [مبدع + قارئ استهلاكي غير متفاعل = منجز يتيم ناقص المعنى] ، فالنص يتكامل معناه في وعي الكاتب والقارئ معا ....انتهى الاقتباس }" ، ولأجل هذه النتيجة التي خلص إليها راح يعمل على إعداد قارئا'' نوعياً.




تم عمل هذا الموقع بواسطة