عاصر الفضلي مرحلة التقلبات والصراعات السياسية التي عصفت بالمنطقة عموماً وبالعراق خصوصاً من منتصف القرن الماضي وحتى يومنا هذا, إضافة إلى إلمامه الثقافي الواسع في تاريخ المنطقة القديم وبما مرت به من محطات هامة ومصيرية أدت في بعض الاحيان إلى تغيرات جذرية بمعالمها الجغرافية والجيوسياسية و الأديولوجية البشرية وو...الخ ولكن ورغم كل هذا لم تتغير الأجناس الشعرية أو الأدبية إلا تغيرات بسيطة تكاد تكون سطحية مع العلم ان اللغة او لنقل الكلمة المفروض أن تكون هي المتغير الأسرع والمتفاعل الأنشط كونها وسيلة التعبير الوحيدة عن المحيط / سبق وبينا .
تناول الفضلي بنصوصه الوضع السياسي بذات الأسلوبية والشكلانية الخاصة به إلا أنه في خطابه / نصه السياسي كان:
- أكثر اعتماداً على الصياغات الصورية والتي من شأنها تحفيز وتنشيط الفكر / العقل , ليقوم بدوره في تأويلات مقاربة أو متطابقة مع الواقع
- رغم الإنزياحات الشديدة إلا انه لم يبتعد عن القاريء , حافظ له على طريق عبور آمنة للوصول للمعنى , عمد إلى استخدام المفردات و المعطيات الواقعية المحيطة التي تخص وتمس حياة المواطن مباشرة / مفردات لغوية دارجة مع مراعاة ورودها الزمني فكل حقبة ولها ما يميزها من المفردات المحلية التراثية
- أكثر ما يلفت الانتباه بنصيه / الخطابسياسي / تجسيده للزمان ( لنقل البعد الرابع ) وهو شيفرة الدخول لمعنى النص الحقيقي / مساعد استنتاجي للقاريء في اختيار الاتجاه الصحيح .
- نعلم ان حركة الجسد / اليدان , القدمان , تعابير الوجه , الإيماءات , الإنحناءات , التململ الكتلي للجسم ...أي حركة / أثناء الخطاب السياسي جدًا مهمة وتعتبر أكثر الوسائل أهمية لتمتين التواصل مع المتلقي وشد انتباهه , كيف استطاع الفضلي أن يجعل من شخصيته غير المرئية في نصه الخطابي شخصية مدركة حد المرئية ؟؟؟
- عمد في بعض الأحيان إلى استخدام المسميات الجسدية / يد قدم ..الخ مع دعمها بإشارات لغوية كانت أو غير لغوية , تفضي إلى إيماءات جسدية حسية /شعورية , معينة معتمداً بذلك على الجرس الإيقاعي الصوتي ( سيميائية صوتية ) فكان حضوره قوياً بقوة حرفه .
وحقيقة لا أدري هل حرفه المقدُود من صلب المعاناة هو من رسم شخصيته أم شخصيته الفكرية هي من مكنته من حرفه ..أظن العلاقة جدلية متكاملة .
- منطلقه الأديولوجي هو ( اللا أيديولوجيا ) كونها بالنسبة له هي عبارة عن منهجية فكرية وكون الواقع البشري / الإنساني في حركة تطورية هذا يعني أنه لا أفكار ثابتة / لا ثبوتية فكرية بل متدحرجة بتناغم مع حركة التطور وبالتالي لا ثبوتية أيديولوجية .( والكلام بحرفيته نقلا عنه )
ما أريد قوله ان منهجيتهُ في النص السياسي اعتمدت على اتخاذ المعنى الإحالي اللغوي ( الإتفاقي , الإصطلاحي ) لبعض المسلمات والمفردات التراثية منفذا أو وسيلة للنفاذ إلى الرأي العام لإيصال فكرته وذلك من خلال تفجير معناها الداخلي منطلقا من رؤية شخصية لواقع الحال وتوصيفه توصيفاً دقيقاً , مقرناً إياه بحجج وبراهين لا يمكن دحضها فهو لم يكن مجرد راصد بل منخرط بالفعل السياسي المضاد ( المعارض ) للأنظمة الفاسدة والتي ولدت إسلوبيته المبتكرة المتمردة على المألوف الكتابي , في سجونها فَقَدَّ حرفهُ من صميم معاناته الشخصية وليس ترفاً , فجاءت نصوصه السياسية تحديداً ثورة وثروة على الصعيدين :
الادبي فكانت ثروة حقيقية في عالم النظم الحداثي معلنا بذلك عن سيميائية عربية منفردة الجودة
المجتمعي السياسي إذ كانت صرخة مؤلمة بوجه هاتيك الأنظمة التي كان يرى فيها الفساد وقد أخذ مأخذا ...إلا أن ذلك كلفه الكثير ....
وفي هذه النقطة لا بد من الإشارة إلى أن مرسلاته اتخذت وجهتين :
أولا : إلى الداخل المجتمعي العراقي بكله لدرجة أنه يصعب عليك أن تعلم من أي محافظة أو منطقة هو أو لأي فئة أو طائفة هو منتمي ، فأنا علا صوت الإنسان المتألم المطالب لأبسط حقوق الحياة الطبيعية تجده ، وتعددية مناطقية( البصرة ..الموصل ..بغداد ..الزقورة ..الوركاء ..حمرين ..قنديل ..سبايكر ....إلخ ) نصوصه كما رأينا وسنرى لاحقا تشهد على ذلك .
نص ( أشباح وعود ثقاب ) واحد من النصوص التي تعبر عن عينه وكأنها عين نسر يرى ويتابع المساحة الجغرافية للعراق وما يجري عليها